تنبيه جاد للسادة القراء
هذه القصة غير مسموح بقرائتها لمن هم أقل من 18 عاما أو من يشعرون بالخوف من عالم الجن.
كل شخص له معتقداته وهو حر في الحكم على ما يريده، ولكن ما اكتبه هو تحذير وليست سطور لأزيد الإثارة والتشويق.
ولكم الحكم.. وشكرا
الكاتب أيمن شوقي
26/7/2009
****************************
جلس سعيد ضابط الاحتياط بالقوات المسلحة على مكتبه شبه المتهالك في تلك المنطقة النائية على احدى نقاط الحدود وهو يقوم بأعماله الروتينية الصباحية دون أن يكترث للساعى الذى دخل وأدى تحية عسكرية حماسية ويضع فنجان القهوة المعتاد ويخرج
فقد كان سعيد يجمع تقارير وتقيم بعض الجنود من أجل طلبات الإجازة الخاصة بهم، ولكنه توقف أمام تقرير أحد صف الضابط الذى يعمل تحت يده
فقد كانت الحالة الأولى التى يجد فيها صف ضابط قام بوضع أحد الجنود بالسجن الحربي منذ أن تولى سعيد منصبه في تلك الوحدة منذ ثمانية أشهر كاملة
وأكمل التقرير حتى نهايته وهو يشعر أن صف الضابط قد أجحف في حق ذلك الجندي، ووضع خطين تحت عبارة محددة بالتقرير، ذكر فيها صف الضابط أن الجندى انتابته حالته من الغضب المفاجئ وقد قام بكسر باب مخزن الذخيرة الخاص بالوحدة
وقبل أن ينادي في طلب صف الضابط، نهض في سرعة وهو يأخذ فنجان القهوة خارجا في سرعة من مكتبه ولم يلق بالا للجندي المسكين الذى يجلس حارسا على بابه الذى نهض فزعا من خروجه السريع ، وارتشف سعيد فنجانه في سرعة حتى انتهى منه قبل ان يصل الى مبنى الذخيرة والتف حوله حتى يرى الباب
وما ان وقعت عيناه على ذلك الباب حتى القى بالفنجان على الرمال وهو يرفع التقرير امام عينه مجددا ، فقد كانت العبارة واضحة في التقريرانه الجندى اسعد عبد العظيم قد كسر باب المخزن بسبب ثورة غضب مفاجئة ، ولكم لم يكن سعيد يتوقع ما رآه مطلقا
وفي خوف ورهبة وقف جنديان الحرساة وهم متجمدين في وضع التحية العسكرية فاشار لهم سعيد بان يستريحا وهو يشير الى الباب الذى انشطر الى نصفين وهو ملقى داخل حجرة الذخيرة قائلا:
كيف حدث هذا ؟ ومتى ؟
تبادلا الجنديان نظرات التردد فصاح سعيد:
تكلم يا عسكري والا الحقتم انتم ايضا بالسجن
خفض احد الجنديان رأسه وتمتم الاخر :
لقد كان أسعد يقف في نوبة الحراسة الليلة منذ يومين يا افندم وواتته الحالة وضرب الباب بقدمه
قال سعيد في دهشة حقيقية :
ركل الباب وانقسم الى نصفين ، باب الذخيرة المبطن من الداخل بمادة من الصاج المقوى انقسم بفعل ركلة ، اتمزح معي أيها الجندي
رفع الجندى الاخر رأسه ولمح سعيد دمعة متجمدة في احدى مقلتيه وهو يجيب:
ان أسعد من قريتي يا سيادة المقدم ، ولديه حالة خاصة لا يستطيع ان يسيطر على نفسه عندما يغضب ، ويحدث هذا احيانا دون سبب ، يمكنك مشاهدته ووو …
صاح سعيد وقد فاظ غضبه قائلا:
و ماذا … اكمل ؟
تردد الجندي لحظة ثم حزم قراره وقال في سرعة:
لقد تقدم بطلبات عديدة لصف الضابط بانه يحتاج الى شيخ عدة مرات ولكن فؤاد باشا رفض طلبه دون ان يعرضه علي سيادتك
وهنا فقط ، شعر سعيد ان الموضوع لم يكن بسيطا
لم يكن بسيطا أبدا
****
عاد سعيد الى مكتبه وعاصفة من الافكار تضرب بعقله ، فهو لا يريد ان يذهب الى فؤاد الا بعد ان يكون قد رأي كل شئ بعينيه ، وشعر ان هذا الموضوع لن ينتهى على خير
اطلق زفير حارا من صدره وهو يصيح في الجندى الذي يقف في خدمته على الباب ، ودخل بعدها الجندي في ثوان وهو يعدل من وضع قبعته مؤديا التحية العسكرية فسأله سعيد :
اين هي مبنى السجن الحربي هنا
عقد الجندي حاجبيه في دهشة وظهر الارتباك مجددا ، فضاق صدر سعيد وهو يشيح بنظره وهو يطلع سبابا ساخطا بعدها :
اغرب عن وجهي
دار الجندى على عقبيه في سرعة وقبل ان يخرج من الباب صاح فيه سعيد مجددا :
احضر الي ذلك الغبي فؤاد فورا … اتفهم .. فورا
ركض الجندي وكأن الشياطين تطارده وهو يلعن حضه التعس لهذا اليوم ، وماهي الا دقائق وسمع طرقات فؤاد المعتادة على باب سعيد الذى دعاه للدخول
دخل فؤاد الى غرفه سعيدة ولاحظ عصبيته وهو يسحق سيجارته على الارض بقدمه واشار له بالجلوس
جلس فؤاد في هدوء وهو ينظر الى سعيد في ترقب حتى فاجأه سعيد :
في حال ان كان هناك احد الجنود في وحدتى يطالب بشئ خارج عن المعتاد ، وان يكون الامر متعلق في حدود الدين ، في هذه الحالة وبعيدا عن القواعد العسكرية يا فؤاد ، مالذى جعلك تخفى الطلب وتتجاهله تمام ، ولا ترفعه لي منذ البداية
ضاقت عينا فؤاد وهو ينظر الى سعيد :
اسمح لي ، وهل من الواجب ان نضيع اوقات خدمتنا في مثل هذه التفاهات
ابتسم سعيد مجيبا :
هل القيت نظرة بعينيك على باب مخزن الذخيرة يا فؤاد
هز فؤاد كتفيه ورأسه بالنفي فنهض سعيد وقال في بطء متعمد على كلماته:
اذهب وشاهد باب الذخيرة في وقت خدمتك ، واعلمنى اين يقع الزنزانة التي احتجزت بها أسعد ، وارسل في طلب اي شيخ من القبائل المجاورة لنا واحضره ، هل فهمت
نهض فؤاد ولم ينبس ببنت شفة وهو يتعجب من امر سعيد ، ثم اسرع يؤدى التحية بعد ان اخبره موقع الزنزانة الخاصة بالسجن في الوحدة وينصرف مبتعدا
واندهش سعيد بعد معرفته بموقع المبنى حيث انه يمر بجواره دائما ولم يلحظ وجوده او وجود اي شئ يلفت الانتباه الى المبنى وذهب الى هناك مباشرة قبل ان تسحب اشعة الشمس خيوطها معلنة الرحيل ، وقد قرر ان ينهى المسألة قبيل المساء
وبمجرد ان وقع نظر الجنود التى تخدم الحراسة على السجن ، نهضوا مسرعين من المقاعد يؤدون التحية العسكرية ، فاشار سعيد بيده ليفتحوا باب المبنى الصغير دون ان ينظر اليهم وهو يشعل سيجارة جديدة يخفى بها التوتر الذى بدأ يكتنفه ، فقد كان قلبه يخبره بانها ستكون مقابلة لن تنسى
وكان قلبه صادقا في ذلك … تماما
*********
دخل سعيد الى المبنى الذى لم يكن مؤلفا سوا من ممر طويل على جانبيه عشرة زنازين وبطرف عليه لم يجد سوا زنزانة وحيدة مغلقة فذهب اليها في هدوء وهو ينفث دخانه في قوة ، حتى توقف امامها للحظة ثم بتح النافذة الصغيرة ، فلم يجد داخلها احد ، فهتف في صرامة استجمعها في استماته :
مجند أسعد عبد العظيم
جائه صوت هادئ مجيبا:
أجل يا استاذ سعيد ، هل ترغب في ان اناديك أستاذ ام سيادة المقدم
صمت سعيد والقى سيجارته بعد ان دخل أسعد في زواية الرؤية لتلك النافذة وراقب ملامحه في حذر ، فقد كان شخصا بسيطا ، تميل بشرته للاسمرار ، تحيل الجيد ، حليق الرأس طبقا للقواعد العسكرية ولكن ملامحه تتسم بقليل من الوسامة ، ثم اطلق زفرة قصيرة وهو يسحق السيجارة بقدمه ويفتح الباب في يده ، ولمح بعينيه التوتر الذى ارتسم على جنود الحراسة فالتفت اليهم قائلا في صوت عال :
اذا رأيتم أسعد يخرج من الغرفة بدوني ويغادر المبنى ، اطلقوا النار علي ساقيه مباشرة
ثم التفت الى أسعد فوجده مبتسما في ود وكأنه لم يسمع شيئأ وهو ينهض مؤديا تحية عسكرية واهنة
دخل سعيد الى الزنزانة وكانه يتحدى توتره ووقف في منتصفها وهو يلتفت حوله في صمت ثم سأل في اقتضاب :
ماذا حدث يا أسعد
جاوبه الصمت فالتفت اليه ليجده مطأطئاً رأسه الى الارض فاعاد سؤاله في حزم هذه المرة وهو يسمع صوت خطوات فؤاد حتى ظهر على الباب ، دون ادنى جواب
ولكن فؤاد تخلي على اللياقة وسأل اسعد وهو يقف على باب الحجرة :
هل تنوى الانتحار يا أسعد ، لقد علمت من الجنود انك لم تأكل اي شئ منذ ثلاثة أيام
عقد سعيد حاجبيه ونقل بصره بين الاثنين حتى نطق اسعد في صوت هادئ :
بل اننى ارفض الطعام الذى تقدمونه لي ، واستبدله بطعام افضل
عقد فؤاد ساعديه امام صدره وهو يرد علي أسعد باستخفاف حقيقي :
وهل لك ان ترينا طعامك الافضل
رفع أسعد رأسه ، وارتفعت مع نظراته دقات قلب سعيد ، فقد رأى شبح ابتسامة ارتسمت لثوان على شفتى أسعد الذى تحرك في هدوء اتجاه الفراش الصدئ في زاوية الغرفة وجلس القرفصاء ليمد يده اليمنى تحت السرير ، ولم يتمكن الشخصان الاخرين من رؤية ماذا هناك تحت السرير حيث ان الظلام كان سيد الموقف في تلك النقطة ، واخرج أسعد طبقا كبيرا يمتلئ بالرز واللحم الطازج من تحت الفراش
والادهي من هذا ، ان البخار كان يتطاير من الطعام وكأنه قد خرج من المطعم في نفس اللحظة
وتسمر الرجلان وهما يحدقان في الطبق لدقيقة كاملة ، حتى تنحنح أسعد قائلا :
هل وصلك طلبي يا سيادة المقدم، فقد لا أرغب فيما بعد أن أكمل الطريق ، صدقنى
رفع سعيد عينيه من على الطبق إلى وجه أسعد الذى حافظ على نفس الابتسامة، وفكرة واحدة تتمركز في رأسه حتى هز أسعد رأسه قائلا:
أجل يا أستاذ سعيد، إننى أعانى من حالة مس من فتاتين … فتاتين من نار
وهنا فقط ترك فؤاد مكانه لينطلق خارج المبنى، ذاهبا إلى أحد سيارات المركز ليقودها خارج المركز كالمجنون، دون أن ينظر خلفه
وقد وعد نفسه أنه لن يعود الا وفي يده شيخ أحد القبائل بأي ثمن