أخبار عامة

أصغر المتمردين … سينما الثلاثينيات و العبيد السعداء

بقلم : محمود كرمي .. باحث في الشئون الأفريقية

مع بداية الثلاثينيات من القرن الماضي ، واجه العالم المصاعب و المشاق من جراء الأزمة العالمية التي ختمت العقد السابق ، فأطل الكساد و ساءت الأحوال كثيرا . غير أن الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة و ضعت برنامجا إصلاحيا ، ساعد الشركات الكبرى في هوليوود أن تعزز سيطرتها على تلك الصناعة ، كذلك وضعت قواعد للإشراف على مضمون الأفلام أو ما يمكن أن نسميه المسؤولية الأخلاقيه .
أخذ الإنتاج يتجه نحو التخصص ، بمعنى أن كل شركة تتخصص في أنماط فيلمية معينة ، تحددها أصول الشركة المادية و مقوماتها البشرية ، و هم مجموعة النجوم الذين تتعاقد معهم . و فوق ذلك التوليفات النمطية التي تصلح أن يقوم بها هؤلاء النجوم . لنأخذ – على سبيل المثال – ظهور الطفلة “شيرلي تيمبل” في العديد من الأفلام امتدت طوال عقد الثلاثينيات ، مع ممثلين آخرين مثل جون بولز ، بيل روبنسون ، جيمس دان ، و كارول لومبارد ، و غيرهم .
كان القاسم المشترك بين بعض هذه الأعمال أنها ذات أفكار منحازة ، تحاول الحط من قدر الملونين ، كأفلام :
The little Colonel 1935 – The littlest Rebel 1935 – Dimple 1936 ، و ثلاثتها للمخرج دافيد بتلر ، و لنأخذ على سبيل المثال فيلم “أصغر المتمردين” the littlest rebel
فيلم لعام 1935 من إخراج : دافيد بتلر ، و قصة : إدوارد بيل . بطولة كلا من : شيرلي تيمبل (فيرجي كاري) ، جون بولز (هربرت كاري) ، جاك هولت (كولونيل موريسون) ، بيل روبنسون (العم بيل) ، و ويلي بيست (جيمس هنري)


تدور أحداث الفيلم فترة الحرب الأهلية الامريكية 1861-1865 ، و مع وصول خبرأول حوادث الحرب بالهجوم على حصن فورت سُمتر بكارولينا الجنوبية في أبريل عام 1861 و إعلان الحرب الأهلية بين الشمال و الجنوب الأمريكي بسبب تعارض المصالح ، إضافة إلى المسألة الرئيسية و هي إلغاء الرق . إلا أننا في المقابل نجد الفيلم يصور العبيد أنفسهم سعداء ، يشعرون بالإمتنان لسادتهم ، بل و يظهرون تعاونا مع الجنوبيين ضد الشماليين المناهضين للرق ، كما أن جنود الشماليين أو “اليانكييز” يتصرفون بفظاظة تجاه الجنوبيين سواء الأمريكيين البيض أو العبيد ، و عندما يدخلون مزارع و ممتلكات الجنوبيين فإنهم يتحولون إلى أعمال النهب و السلب .
مع إحتدام المعارك تصل القذائف إلى المنازل فتهدمها أو تحرقها بمن فيها . و توالت حوادث الحرب حتى سقطت مدينة ريتشموند عاصمة الجنوب ، ثم استسلم الجنرال “لي” قائد جيش الجنوب شمال مدينة فيرجينيا في أبريل 1965 . و بذلك انتهت الحرب الاهلية التي أوقعت بالطرفين خسائر فادحة . و يظهر بالنهاية الرئيس لينكولن الذي يصدر العفو عن الجنوبيين .
يقدم الفيلم نماذج من السادة مالكي المزارع في الجنوب يظهرون عطفا نحو عبيدهم ، فأطفال العبيد يقدمون هدية رمزية للطفلة فيرجي التي تقبلها بنوع من الإستحسان ، كما أن العبيد البالغين يبادلون السادة الحديث بأسلوب ودي ، و لا يجدون من جانبهم سببا في الحرب بين الشمال و الجنوب (حسب قول بيل روبنسون) ، بل و يظهرون تعاونا لسداتهم ضد عناصر جيش الشمال . و في المقابل نجد أن جنود الشمال (اليانكييز) الذين قدموا أصلا بدعوى تحرير العبيد يعتدون على الضياع و الممتلكات و يسيئون التصرف ضد العبيد ، بل و ضد البيض الجنوبيين .
كذلك نموذج أو مثال ويلي بيست (جيمس هنري) ، فهو يمثل أحد العبيد ، و يتصرف خلال المشاهد كما لو أنه لا يملك الحد الأدنى من الذكاء أو القدرة على التفكير ، بل لا يلبث أن يرتكب الحماقات عند قيامه بأي عمل لدرجة أن قدوم الشماليين بدعوى تحرير العبيد بالنسبة إليه أمر يتطلب الحذر و وضع الخطة لمقاومته .
هناك أيضا دلالة رمزية في إطلاق إسم فيرجي (فيرجينيا) على الطفلة شيرلي تيمبل ، صحيح أن مدينة ريتشموند كانت عاصمة الجنوب ، إلا أن مدينة فيرجينيا كانت آخر المعاقل التي استسلم فيها الجنرال “لي” قائد الجيوش الجنوبية أمام الجنرال “جرانت” في 1865 .
و بالنسبة للفكرة المتكررة خلال الفيلم فهي أن ، فالعبودية على ما يرام ولم يكن هناك داع للحرب . و مناهضة الفيلم لقضية الحرب لم تجعل الجانبان بنفس درجة القساوة و هو عكس ما كان في الواقع ، فاليانكييز الشماللين خلال المشاهد دائما ما يتسببون بالأذى ، و الجانبان (الشمال و الجنوب) بصورة عامة تحت إمرة قادة لطفاء ، عليهم فقط أن ينسوا أمر المعارك و يكونوا في النهاية أصدقاء .


إذا نظرنا إلى الفترة من تاريخ الولايات المتحدة ما بين نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين نجد أن العبيد المحررين بعد إعلان لينكولن عام 1863 لم يكونوا متحضرين للحرية ، و لم يشعروا بالغبن تجاه قوانين الفصل العنصري التي سنتها الولايات لا سيما الجنوبية و التي منعتهم بشكل غير مباشر من حق الإنتخاب . غير أن تحرك السود بدأ في أوائل القرن العشرين أي بعد حوالي الأربعين عاما على قوانين التحرير ، و هو نتاج تدفق الأفكار مع فترة الحرب العالمية الأولى تأثرا بفكرة القوميات و حق تقرير المصير ، و غيرها من المبادىء التي صاحبت بداية القرن العشرين و حتى نهاية الحرب و خلال العشرينيات . فنجد أن فكرة “الجامعة – الأفريقية” التي كانت تعني بمساواة الأفارقة مع البيض و تحسين أوضاعهم في أفريقيا كانت قد بدأت من المثقفين الزنوج خارج القارة الأفريقية ، فعقد المؤتمرات الثلاثة الأولى للجامعة الأفريقية Pan-Africa في لندن 1900 ، و 1912 ، و 1923 ، و فيها هاجم المجتمعون سياسات الدول الإستعمارية . في المؤتمر الرابع ظهرت فكرة تحالف الشعوب الملونة في العالم و الخروج من إطار (الزنوجة) إلى حركة عامة مناهضة للعنصرية ، و عقد هذا المؤتمر في نيويورك 1927 .


هذه الحركات في أولها لم تكن سوى وعي عنصري مرتبط باللون استهدفت بالدرجة الأولى المساواة . غير أنه في 1930 شرع الأفرو-أمريكيين في تأسيس مجموعة منظمات للحصول على حقوقهم ، مثل “أمة الإسلام” Nation Of Islam التي أسسها “والاس فارد محمد” الذي اختفى بعد أربع سنوات ، و حل محله تلميذه “إلايجا محمد” و هو ذو نزعة متطرفة ، إدعى أن والاس هو الرب و أنه هو آخر الأنبياء ، و أن السود هم أصل الإنسانية التي أنجبت جميع الأجناس و أنهم يتمتعون بجينات متطورة عن غيرهم ، و إذا لم يحصلوا على الحرية و العدالة و المساواة (و هي المطالب الثلاثة الأولى لبرنامجهم) ، فإنهم سوف يعملون على تحقيق المطلب الرابع و هو الإنفصال عن الولايات المتحدة . على الرغم من أن بداية الحركة لم تكن حركة سياسية و إنما تعني بالأفكار و العواطف . إلا أنها تزامنت مع فكرة “قيمة السواد” The Value Of Blackness و التي انتشرت في المناطق الناطقة بالفرنسية في العالم الجديد ، و اعتبرت صيحة عنصرية للرد على العنصرية البيضاء . ما جعل المفهوم الجديد مرفوضا لدى البعض على اعتبار أن حركة الوعي العنصري لا تهدف إلى سمو الزنوج و إنما الدعوة إلى المساواة بين الأجناس ، لذا تختلف تماما عن العنصرية السوداء .
و في الأخير نشير إلى أن الأفلام بصورة عامة تعتبر منتجا خاصا يتم تكوينها داخل نظام أو إطار محدد من العلاقات الإقتصادية ، و يتم حشد العاملين فيه لإخراج سلعة أو منتج له قيمة تبادلية . و عليه يصبح العمل جزءا من النظام الإقتصادي و بالتالي جزءا من النظام الأيديولوجي . فالسبب في نجاح و انتشار هذ الأفكار أنها تتوافق و ما يريده الجمهور ، و هذه الإرادة ما هي إلا تعبير عن الأيديولوجيا السائدة في فترة ما .

Araby Day

About Author

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

إيران تتجاهل العقوبات الأمريكية
أخبار عامة

إيران تتجاهل العقوبات الأمريكية وتهدد بالرد بالمثل على قرارات ترامب

إيران قامت بالرد على ما تم إصداره من عقوبات أمريكية بحقها بأنها غير ذات أهمية وتتجاهل ما تم فرضه من
أردوغان
أخبار عامة

أردوغان يعترض على تعبير الإرهاب الإسلامي في تصريحات ميركل

أردوغان يعترض على تعبير الإرهاب الإسلامي في تصريحات ميركل في زيارتها لتركيا بعد المحاولة الإنقلابية التي تعرضت لها تركيا في