بقلم / أحمد الفخراني
الحلوة قامت تعجن في البدرية….طلعت يا محلى نورها ..خفيف الروح بيتعاجب. ..اغنيات ظلت خالده عبر الزمن رغم مضى ما يقرب المئة عام على صدورها ومع ذلك يجهل كثيرون اسم مؤلفها. الذى كان له من اسمه نصيب وامتلك ناصيه الكلمة وجسدها في اغنيات خالده بصوت سيد درويش واسمهان وليلى مراد وكتب روائع المسرحيات والافلام التي يعجز كثيرون الان عن صناعه مثلها….
واحد من اعمده الفن العربي ..شاعر ومسرحي وكاتب مصري عريق.. ولد في حي المغربلين واحد من احياء القاهرة القديمة الذى انجب كبار المبدعين ممن اثروا الحياه الأدبية والفنية في مصر والعالم العربي ..
بديع خيرى واحد من هؤلاء ففي هذا الحى كانت ولادته في 18 اغسطس 1893التحق بالكتاب وحفظ القران الكريم في سن مبكره ما مكنه من تميزه في اللغة العربية ..فاخذ يكتب الزجل في سن الرابعة عشره من عمره وكتبها باسم مستعار اختاره لنفسه هو (ابن النيل) بأسلوب جعله متفوقا بهذا المجال فصنع ثوره في شعر الزجل..
بعد تحرجه من مدرسه المعلمين العليا عمل في البداية بهيئة التليفونات المصرية لتمكنه من اللغة الإنجليزية ثم تم فصله من العمل بسبب عطل هاتف احد مديري الهيئة (واطسن باشا) وعمل بعدها كمدرس للغة الإنجليزية .وفى الوقت نفسه ظل يتردد على المسارح املا في تحقيق امنيته في ان يصبح ممثلا في يوم من الايام .دفعه ذلك لمقابله جورج ابيض وزكى طليمات عسى ان يجد الفرصة التي تداعب احلامه في الوقوف على خشبه المسرح ولكنه لم ينجح الا ان القدر كان يعده بشيئ اخر يتناسب مع مقدرته على الكتابة للمسرح….فقد نصحه احد اصدقائه بالتفرغ للكتابة بدلا من التمثيل وعمل بهذه النصيحة واسس فرقه مسرحيه مع مجموعه من الهواه اطلق عليها (فرقه العصري للتمثيل العصري)التي من خلالها كتب المونولوج للمشاركين من الهواه في العروض المسرحية وكتب اول مسرحيه للفرقة بعنوان (اما حته ورطه ) ومن هنا بدات ا لورطه في احترافه المسرح..

وكان عام 1918 هو العام الفارق في حياه بديع خيرى وربما في تاريخ المسرح المصري ككل عندما التقى اول مره مع صديقه نجيب الريحاني ..فقد شكل بديع ونجيب اعظم ثنائي مسرحي في الثلاثينيات والاربعينات من القرن الماضي وكان بكل تأكيد هو السبب في سطوع ظاهره الريحاني وتشكلت بينهما علاقه انسانيه عكستها اجواء التسامح وظل الحب الدائم يربط بينهما كالرباط المقدس حتى وفاه نجيب عام 1949اشتركا فى العديد من الاعمال المسرحية والسينمائية منها الضاحك والجاد بالإضافة الى المسرحيات الغنائية. فكانت اول تجربه فنيه (على كيفك)مرور ب(اوعى تعكر دمك )(ياسلام على كده)ومن حسن طالع نجيب الريحاني انه اعاد مجموعه منها لأعمال سينمائية (لعبه الست)(30يوم في السجن)وبعد وفاه نجيب الريحانى اسند لابنه عادل خيرى بطوله العديد من المسرحيات منها الاخمسه..حكايه كل يوم ..لوكنت حليوه. استنى بختك حسن ومرقص وكوهين.واستمر الابن فى هذا المجال سبع سنوات الى ان وافاه الاجل ثم قام ببطوله اعماله المسرحيه فيما بعد فريد شوقى ومحمد عوض وحسن فايق ..كما كتب مسرحيات لمنيره المهديه وعلى الكسار الذى استفاد من ابداعات خيرى فقدم مسرحيه (الوارث)وفى تلك المرحله كان بديع خيرىستعين فى كتابه المسرحيات بتقنيه خيال الظل فى صنع الحبكه الدراميه لميرحياته كما وظف الاراجوز ايضا فى مسرحياته ويحسب له تاسيس المسرح الادبى..

يعتبر بديع خيرى من اوائل من كتبوا للسينما المصرية سواء في عهد السينما الصامتة او الناطقة بموهبه لافته ومقدره مميزه على الابداع من خلال تأليفه للحوار والقصة والأغاني بداية من فيلم (المندوبان)العزيمة وانتصار الشباب .احمر شفايف .سي عمر.. غزل البنات.. ليلى بنت الاغنياء والفقراء ..عنتر ولبلب وغيرها من الافلام التي شارك فيها مشاهير الشاشة في ذاك الوقت..
بديع خير صانع المجدين ..في الوقت الذى كان يحقق فيه انجازات فنيه مع الريحانى ارتبط بعلاقه فنيه مع سيد درويش وانجز معا مجموعه من المسرحيات الغنائيه المتميزة (المسرح الاستعراضي)تضمنت روائع الالحان والاغنيات وفن الاوبريت(اوبريت العشره الطيبه)و(الجنيه المصرى) .وسر نجاح وديمومه هذه الاغنيات الى الان انها ارتبطت في المقام الاول بالتعبير عن قضايا واحلام الناس من الطبقات البسيطة واستخدام لغتهم العفوية .وعناوين هذه الأغاني تعبر عن مضمونها منها السقايين…الموظفين. الشيالين. القلل القناوى واغنيات اخرى كانت ولازالت من روائع الغناء العربي التي يستمع اليها الناس هز اهلال ياسيد . كان صوت الناس وصدى احلامهم عندما غنى له سيد درويش في خضم ثوره 1919 قوم يا مصري…. وبعد وفاه سيد درويش تعاون مع غيره من الملحنين زكريا احمد ورياض السنباطي و محمد القصبحى ومحمد فوزى وغيرهم وتعنى بالحان هؤلاء ومن كلماته
اهم مطربي القرن العشرين ام كلثوم واسمهان وفريد الاطرش وحياه صبري ونجاه على..

لكل مبدع سحره الذى يميزه عن غيره ويكمن السحر في ابداع بديع خيرى توظيفه لحرفه التأليف فى نظم اغانيه وجاءت معظمها على شكل قصه وحوار وخير دليل على ذلك اغنيه شحات الغرام وليلى مراد صاغها بديع على شكل قصه على لسان محمد فوزى الذى يتسول موعد غرام …وفى وصف لكاتب محترف غنى الفنان الساخر عزيز عثمان في فيلم( لعبه الست )وكلمات بديع خيرى كلامه اللاذع للعريس نجيب الريحاني الغير موهل للعروس الحسناء..سرقوا الصندوق يا محمد …لكن مفتاحه معايا …واحده من الاغانى الشهيره التى خطها قلمه وكانها تحاطب المعنيين باستعادة الصندوق الذى يضم اعماله المنسية ونثر ما به من درر الزمن الجميل والعودة للبحث عن انجازاته التي تأخذ عشاق الكلمة والنغم الى زمن اساطين الفن والغناء
…توفى الكاتب العملاق فى فبراير 1966تاركا وراءه تراثا مسرحيا وسينمائيا وشعريا خالدا….