أخبار عامة

رمضان من شهر البركات إلى شهر الشهوات…

رمضان

رمضان من شهر البركات إلى شهر الشهوات…
ما هو الصيام ؟ لماذا فرضه الله علينا ؟ ما الحكمة منه ؟ ما هي فائدته ؟ هل هو مجرد عبادة جسدية ؟ هل هو تعذيب للجسد ؟ لماذا اختار الله لنا هذه العبادة ؟
– أسئلة مهمة جدا، يجب على كل مسلم قبل أن يصوم أن يعرف إجابتها، ويجب على كل مسلم أراد ان يصح صيامه، وأن يستمتع به كعبادة وكرياضة جسدية وروحية، أن يفهم أولا ما هى العلة من الصيام، وما هو الشكل الصحيح له، وكيف يمارسه على الوجه الأمثل، وإلا فقد معناه وتحول إلى مجرد عادة لا عبادة…
ما يجب معرفته أولا أن الصيام معناه الإمساك، إمساك عن كل الشهوات، من مأكل ومشرب وجنس، أي شهوة البطن وشهوة الفرج، وهما الشهوتان أو الوجهان اللذان يتشابه فيهما الإنسان والحيوان، فكأن الله سبحانه وتعالى أراد بفرض الصيام على الإنسان أن يرتقى به عن مراتب الحيوان، وبكبح جماح هاتان الشهوتان تشعر بإنسانيتك وبتفردك عن باقي المخلوقات، فلا أنت ملاك بلا شهوات، ولا أنت حيوان ينساق وراء شهواته، فشهوة البطن أو شهوة الفرج نجتمع فيها مع الحيوان من حيث الرغبة، ولكن نختلف مع الحيوان من حيث الإستجابة، فما بين الرغبة والإستجابة مسافة تزيد وتقل على قدر إنسانيتك، فإذا استجاب الإنسان لشهواته ولبى نداء رغباته فور شعوره بها، فلا فرق حينها بينه وبين الحيوان، فكل بني أدم يشعر بالجوع كدافع فطري ملح ومؤلم، وكذلك الحيوان يشعر بنفس ما يشعر به الإنسان من رغبة ملحة في إشباع رغبات جسده، ولكن تأتى الإستجابة مختلفة كل الإختلاف، فعندما يجوع الإنسان فإنه يبحث عن ما يحب من طعام وما يراه طيبا وحلالا، ويطلبه في مكانه المعد له وفي وقته المناسب، والمسلم يأكل على شريعته والنصراني واليهودي يأكلان على شريعتهما، ونرى طقوسا وعادات في تناول الطعام تختلف من بلد لبلد ومن ثقافة لثقافة، إذا فالإنسان يجوع ولكنه يشبع هذه الرغبة على طريقته الإنسانية، كذلك شهوة الجنس يشترك فيها الإنسان مع الحيوان فتلح هذه الرغبة على الحيوان وبمجرد شعوره بها ينفس عنها ويخرجها بدون ظوابط أو معايير إنما يلبي نداؤها بمجرد شعوره بها، غير مكترث بمن يراه أو يسمعه، فوقتما شعر إستجاب، في أي وقت وفي أي مكان، أما الإنسان فعندما تلح عليه الرغبة الجنسية وتتحرك بداخله فطرته التى جبل عليها، فإنه يتحرك في إتجاه التنفيس عنها وإطفاء شهوته، ولكن على طريقته الإنسانية، فيبحث عن ذلك في الحلال وفي المباح، ويطلبه نكاحا لا سفاحا، ويختار مكانا مناسبا مستترا، محافظا على حياؤه وكرامته، ومن لم يستطع أن يلبي هذه الرغبة في الحلال فعلاجه الصيام، كما أمره صلى الله عليه وسلم “من أستطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” إذن فالصيام ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب كما قد يظن البعض، وإنما هو أيضا عبادة ورياضة روحية تهذب النفس وتطفئ نار الشهوة، وتعلم الصبر…
و هكذا نرى أن الإنسان مجبولا على فطرة زرعها الله فيه للحفاظ على النوع، كما في الحيوان، ولكن الله سبحانه وتعالى أراد للإنسان أن يتميز وأن يرتقى عن مراتب الحيوان، فشرع له شريعة الإسلام لإنها متوافقة مع فطرته البشرية ومتناغمة مع طبيعته الإنسانية…
ومن هنا جاءت فرضية الصيام، ليميز الله بين الإنسان والحيوان من حيث الإستجابة للرغبات وللإنصياع للشهوات، وإن يدربك على كبح جماح شهوات نفسك ورغباتها، ويعودك الصبر عليها، فكلما أستطاع الإنسان أن يتغلب على جسده أرتفعت روحه وسمت وأقتربت من خالقها ودنت…
وكما ذكرنا من قبل أن الحرب على الإنسان قد أشتعلت منذ خلقه الله سبحانه وتعالى، ونفخ فيه من روحه، وأن عدوه واحد منذ اللحظة الأولى لخلقه وحتى موته وهو “الشيطان”، ولكن جنوده تختلف على مر الأزمان والعصور، فلكل عصر جنده ولكل زمان أسلحته، فلما رأى الشيطان أن الله سبحانه وتعالى قد حبى الإنسان بنعمة الصيام وأختار له العفة والكرامة ورزقه عبادة روحية ورياضة جسدية، ما كان منه إلا أن حشد جنده و خيله و رجله لمواجهة هذا الأمر، وأن يستخدم كل ما اوتي من مكر وخبث ودهاء ليحرم الإنسان من هذا الفضل العظيم…
وظل الشيطان مرابطا بلا كلل ولا ملل على أعتاب هذا الركن من أركان الإسلام، ناخرا في قواعده ليل نهار ليسقط و ينهار، ويظل يحارب ويقاتل، ينتصر جولة ويخسر جولة، وبحلول القرن العشرين -العصر الذهبي للشيطان- وبطغيان الألة والمادية على حياة الإنسان وتراجع الجانب الروحي وغيابه من حياته، والذي كان هو أيضا بفعل الشيطان، وبقيام مذاهب وأفكار هدامة مادية وماركسية وشيوعية ورأسمالية، ليس لها أي هدف الا زعزعة الإنسان وتشتيته وتمزيقه بين المذاهب والأفكار، والتى لم يجنى الإنسان منها الى التعاسة والشقاء…
وبدعوى الحداثة والتقدم وبدعوى الرقي والتمدين، أستطاع الشيطان ان يقنع الإنسان بأن الدين تخلف ورجعية، وأن التمسك به جمود وجاهلية، وكان من مبالغة الشيطان في الإستهزاء بالإنسان، أن جعله يسمى الأشياء بعكس مسمياتها، فجعلك تسمى الربا فائدة، والعري موضة وفن، والخمر مشروب روحي، ورمضان العبادة والبكاء والطمع والرجاء، أصبح مسلسلات وبرامج ولهو وإلهاء، ولحوم وأسماك وولائم، وبعد أن كان رمضان شهر لرفع الأعباء عن الناس بالإقلال من الأكل والشرب، وشهر إقتصاد وتوفير، وإحساس بيتيم وفقير، أصبح كابوسا على الناس يخشون قدومه لما يتكبدون فيه من أموال تصرف بإسراف على الطعام والشراب الزائد عن الحاجة، فلم نكتفى بما هو موجود في قوائمنا اليومية العادية، فأخترعنا طعاما وشرابا خاصا بشهر رمضان، فأخترعنا الكنافة والقطايف، والمكسرات والياميش والتى أصبحت أسعارها أسعارا فلكية، لا يقدر عليها إلا الأغنياء، فأصبح رمضان بمكسراته وياميشه، وموائده وولائمه حكرا على ميسوري الحال، وأصبح شهرا يشعر فيه الفقير بالنقص والعجز، وتحول الى شهرا للتمييز الطبقي، وإعلانات التليفزيون بما نراه فيها من أشكال والوان الطعام ما لذ منه وطاب، كفيلة وحدها بالتأكيد على هذه الطبقية…
ولإنه يعلم أن وقع هذه الإلفاظ سيكون ثقيلا عليك، فغير لك الأسماء وترك المسميات كما هي، فأنخدع من انخدع وتحايل من تحايل، وكأن الشيطان في إستهزاؤه بك -الذي قبلته انت في إنبطاح وذلة ومهانة- يقول لربه أليس هذا هو الإنسان الذي أمرتني بالسجود له، ها هو يسير خلفي كما تسير الدابة وراء الراعي…”قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا”…
ولم يستطع الشيطان أو ربما أراد ان يذلك ويهينك في هذه أيضا، فلم يأمرك بعدم الصيام بل بالعكس إنما أمرك بالمغالاة في حب رمضان، حتى تحول الحب الى سفاهة، ولم يشكك لك في حقيقة الصيام، هو لا يريدك أن تفطر وإنما يريدك أن تفتن فتصوم.. ولكن بجهل، الم ترى كيف فعل بأبوك أدم من قبل “فوسوس إليه الشيطان قال يا أدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى” فسمى له شجرة زوال الخلد (شجرة الخلد) ومرة أخرى نراه يبالغ ويمعن في الإستهزاء بالإنسان، ولأنه يعلم أن رمضان شهر تؤدب فيه النفوس وتهذب فيه الشهوات، فجاءت فتنته فيه بعكس مراد الله منه تماما، فأصبح رمضان شهرا لتفجير الشهوات وتلبية والرغبات، وبدلا من أن ترفع الأكف بالدعوات شغلها الشيطان بإعداد الموائد والأكلات، ولأن الغرض من صيام رمضان كف شهوة البطن والفرج، فجاءت فتنة الشيطان بتأجيج شهوة البطن والفرج تحديدا، تحديا من الشيطان لله سبحانه وتعالى، وإصرارا على تشويه صورة هذا الإنسان الذي كرمه الله عليه…
وبكل أسف ينتصر علينا الشيطان في واحدة من اهم جولات الملحمة الإنسانية وهي جولة شهر رمضان، فقد تحول الشهر ولا حول ولا قوة الا بالله، الى شهوات ورغبات وسهرات وأمسيات ومقاهي وبرامج ومسلسلات…
وأعلم أيها الإنسان إن عدم إمتثالك لأمر من أوامر الله مصيبة، ولكن المصيبة الأعظم والطامة الكبرى، عندما تقوم بعكس ما أمرت به، فعندما يطلب الله منك ان تزهد شهرا واحدا في العام وأن تقاوم شهوة بطنك، فلا تمتثل للأمر ويغلبك ضعفك البشري فتفطر، فهذه هي المصيبة، ولكن عندما تتفنن في إعداد الموائد وأعداد الأصناف و تنفق المئات والالاف فهذه هي الطامة الكبرى، لإن الأولى قد تكون عن ضعف إنساني، أما الثانية فهي عن عناد شيطاني، وعندما يأمرك بأن تكف شهوة فرجك، فيغلبك ضعفك البشري –في الحلال طبعا- فهذه هي المصيبة، ولكن عندما تستعد لرمضان بالمسلسلات والبرامج التى تمتلئ بالعاهرات، والسهر على المقاهي والخيم الرمضانية، والإفطار على أنغام الموسيقى الشرقية، والسحور الراقص، فهذه هي الطامة الكبرى، ولأنك فى الأولى دائما تشعر بالذنب فقد يؤدي بك إقرارك بالذنب الى التوبة، أما فى الحالة الثانية فهذا من تلبيس إبليس، فقد دلس عليك الخبيث…
أيها الإنسان الحرب ضروس وعدوك متربص بك، وجنوده كثر من مالك أحد جنوده أو ولدك أو أهلك وقد تكون نفسك، وقد تكون عبادتك هي نفسها سبب نقمتك، فلا تمارس العبادة وكأنها عادة، عليك بفهم مراد الله، وفهم حقيقة وجودك بالحياة، أعرف عدوك وأعلم أنه لم يعد لديه ما يخسره..
وأعلم أن الشيطان في رمضان (مسلسل)…
وأعلم أن الشيطان في رمضان هو (مسلسل)…

Zaid sayed

About Author

You may also like

إيران تتجاهل العقوبات الأمريكية
أخبار عامة

إيران تتجاهل العقوبات الأمريكية وتهدد بالرد بالمثل على قرارات ترامب

إيران قامت بالرد على ما تم إصداره من عقوبات أمريكية بحقها بأنها غير ذات أهمية وتتجاهل ما تم فرضه من
أردوغان
أخبار عامة

أردوغان يعترض على تعبير الإرهاب الإسلامي في تصريحات ميركل

أردوغان يعترض على تعبير الإرهاب الإسلامي في تصريحات ميركل في زيارتها لتركيا بعد المحاولة الإنقلابية التي تعرضت لها تركيا في