يا ذاهبا الى القاهرة أبلغ سلامي لروضتها الزاهرة، ولنيلها وأشجارها وزهورها الناضرة، وأبلغ سلامي لقصرها تلك التحفة النادرة، وقف إجلالا أمام أسواره متأملا أحجاره الصابرة، فإذا ولجت فتجول وجل بناظريك في كل ركن من أركانه الباهرة، وأملأ صدرك بهواء حدائقه الغناء الزاهرة، ومتع حسيك بمرأي النيل يحتضن القصر في لوحة ربانية ساحرة، ويقف برجه شامخا مراقبا في صمت أرجاء المدينة الساهرة، وفي متحفه طيور بلا أقفاص وبلا قضبان تقف الوحوش الكاسرة، فزره ولاتخشى فتلك حيوانات محنطة لاحول لها وقواها خائرة، وفي حجراته ستبهرك براعة أيدي الصناع الماهرة، من أواني وتحف وبسط متناثرة، وفي قاعة العرش بزخارفها وأثاثها وأرائكها الفاخرة، تأمل صور الملوك على جدرانها وعصورهم الغابرة، وكم أستقبلت من سلاطين وأمراء وأباطرة، ولتكن لك في بيوتهم عبرة وتذكرة، فتلك مساكنهم خاوية بعد أن كانت يوما عامرة، فهذه بيوتهم في الدنيا عمروها.. فهل يا ترى عمروا أيضا بيوت الأخرة؟ وإذا حان وقت الرحيل فلا تنسى أن تصلي في مسجده ركعتين وتدعو لبانيه بالمغفرة….
_ في حي “المنيل” أحد أحياء القاهرة الراقية، وفي شارع “السرايا” تحديدا، وقع إختيار الأمير على هذا المكان ليشيد عليه قصره …..
والأمير هو “محمد على توفيق” أبن الخديوي “محمد توفيق” الذي كان خديوي على مصر بعد الخديوي “إسماعيل” وأخوه هو “عباس حلمي الثاني” الذي عزله الإنجليز وعين بدل منه السلطان “حسين كامل” وأمه هي “أمينة” هانم، ولد في عام 1875م ، وكان فنانا ومحبا للفنون والعمارة الإسلامية، وكان مولعا بإقتناء الخيول العربية، وكان محبا للسفر وقد دون الكثير من رحلاته، وكان الأمير وصيا على عرش مصر في الوقت ما بين وفاة الملك “فؤاد الأول” وحتى تولي الملك “فاروق” الحكم، وكان يعد نفسه لأن يكون ملكا للبلاد بإعتبار أن فاروق لم يزل قاصرا، ولكن الملكة “نازلي” أم الملك “فاروق” حالت دون تحقيق حلمه، ثم أصبح وليا للعهد في عهد الملك “فاروق” ولطالما راوده حلم إعتلاء عرش مصر، الى أن أنجب الملك فاروق أبنه “أحمد فؤاد” ليتبدد حلمه نهائيا في الوصول الي العرش…
وفي عام 1901 م وضع الأمير “محمد علي” حجر الأساس لبناء القصر، ولأن الأمير كان مهندسا فقد قام بوضع التصاميم الهندسية للقصر، وأشرف بنفسه على البناء، وقام بتنفيذ أعمال البناء المعلم “محمد عفيفي”، ويعد هذا القصر تحفة فنية نادرة بحق، ويعتبر واحدا من أهم القصور التاريخية إن لم يكن أهمها على الإطلاق، وهو يرصد الفترة التاريخية للأسرة العلوية ويصور ما كانت عليه حياتهم من ترف وأبهة، وتميز تصميم القصر المعماري بتنوع ثقافاته وطرزه، فتجد به الطراز الفاطمي والمملوكي والسوري والفارسي والمغربي وبه غرفة صممت بالكامل على الطراز القبطي في لمحة من الأمير على مدى التسامح والوحدة الوطنية، بالإضافة طبعا للطراز العثماني، وسوره الخارجي مبني على الطراز الأوروبي في العصور الوسطى، ليصبح القصر بهذا مجمعا لثقافات وفنون العالم، وتبلغ مساحة القصر 61711 مترا مربعا تقريبا، وتستغل الحدائق معظم مساحته حيث تبلغ حوالي 34 الف متر من مساحة القصر، أما المباني فلا تتجاوز مساحتها 5 الاف متر، وباقي المساحة عبارة عن طرق داخلية، وقد قام الأمير بتقسيم القصر الى عدة أقسام وهي :
سراي الإستقبال : وتقع أعلى المدخل، وهي معدة ومجهزة لإستقبال ضيوف الأمير، وتتكون من طابقين.
برج الساعة : ويقع بين سراي الإستقبال والمسجد، وبني البرج على الطراز الأندلسي، وكان يستخدم هذا البرج للحراسة والمراسلات، وكان يستخدم أيضا في الإعلام ببداية الشهور و الأعياد.
المسجد : وهو تحفة فنية رائعة ومتميز بزخارفه وبرؤس حيات الكوبرا التى تزين سطحه، وعلى باب المسجد لوحة تأسيسية تضم أسماء كل من شرف بالعمل في بناء المسجد.
متحف الصيد : ويضم المتحف المئات من الحيوانات والزواحف والطيور المحنطة، ويحوي مجموعة كبيرة من الفراشات بمختلف ألونها وأنواعها، وبه صور للملك فاروق وهو في رحلات الصيد التى كانت أهم هواياته.
سراي الإقامة : وهو المبنى الأساسي في كل محتويات القصر فقد بناه الأمير في البداية ثم أضيفت اليه باقي الأجزاء الأخرى، وهو يتكون من طابقين، الطابق الأرضي به حجرة الطعام والإستقبال والمكتب الخاص بالأمير، والطابق العلوي به غرف النوم، وملحق به برج كان يطل على القاهرة.
سراي العرش : وهي مصممة على الطراز العثماني، وكانت معدة لإستقبال الملوك والأمراء، وقد أعدها الأمير عندما كان يستعد لتولي حكم مصر، وتتصدر صورة “محمد علي” باشا واجهة القاعة وعلى جانبها الأيسر صور أبنائه، وعلى يمين القاعة صور زيتية تصور الحياة المصرية.
حديقة القصر : وتضم مجموعة كبيرة من الأشجار والنباتات النادرة.