“قصر السويد بالأسكندرية، عمارة رشدي، قصر البارون…” وغيرهم من أماكن تشترك في أنها تحمل بين طيات جدرانها العديد من الحكايات، حكايات يغلب على معظمها طابع الغموض، أو ربما هذا هو الطابع الذي أراد أن يمنحها إياه من قام بروايتها..واليوم سنتوقف عند محطة “قصر السويد”.
لعل الفصل الأهم بحكاية اليوم يبدأ مع نهاية عام 1959، عندما وجد القنصل السويدي “كارل فيلهم فون غاربر” مقتولا بحمام قصره الفخم، ليصبح من بعدها لغزاً من ألغاز الأسكندرية، ويبدأ أهالي الأسكندرية بتداول الأقاويل ما بين أن روح القتيل تطوف بالقصر ليلاً، وبين شهادات مؤكدة من بعض أهالي المنطقة أنهم يرونه يتجول بالقصر ليلاً، وبالتأكيد لا تخلو الحكاية من بعض الإضافات كحركات سريعة بنوافذ القصر، لتتأكد من أن شيئاً مريباً يحدث بهذا المكان.
أما عن القنصل، فبدايته جاءت كتاجر للأخشاب، قرر أن يهاجر من بلده الأم “السويد” ويستقر بمنار البحر المتوسط “الإسكندرية”، ولم يمض وقت طويل حتى تم تعيين “غربر” كسفير للسويد بمصر، ولم يتخل في الوقت ذاته عن تجارته بالأخشاب، ونجح في أن يقوم بتأسيس مصنعاً لأعواد الثقاب بمنطقة “الماكس”.
وبحلول عام ١٩٢٣ قام بتشييد قصره على كورنيش المنشية وبالتحديد بـ ٥٧ شارع ٢٦ يوليو، ليصبح هذا المكان هو بطل حكاية اليوم، وحاذ القصر على اعجاب العديد بطرازه، الذي جاء معبراً عن المرحلة وقتها فجمع ما بين الأناقة الكلاسيكية واللمسات العصرية، ولعل من أفضل مميزاته أنه يتيح لك رؤية الأسكندرية كاملة من أعلاه، وبطرازه الفريد شهد العديد من حفلات الطبقة الراقية من رجال أعمال، دبلوماسيين، ومثقفين، حتى ذاع صيت القصر وأطلق عليه “قصر السويد”.
انتهت الحفلات بتقاعد السفير، وقبل وفاته قام بتحويل جزء من القصر ككنيسة للبحارة السويدين الذين يمرون على الإسكندرية، كما خصص الطابق الرابع ليصبح مدرسة لرعاية الصم والبكم.
وبعد حادثة مقتله، تحول القصر لمقر القنصلية السويدية بالإسكندرية، ثم تحول لمعهد للبحارة السويديين قبل أن يتم تأسيس معهد آخر بعام 2000، وعلى الرغم من الأقوال التي تحوم حول القصر، فهو هيئة مستقلة تابعة لوزارة الخارجية السويدية، ويلعب دور بدعم الحوار بين أوروبا, دول الشرق الأوسط، ودول شمال أفريقيا، بالإضافة لكونه محط اهتمام العديد من السياسيين، وكبار المثقفين.
وبالتأكيد لن تكون حكاية “قصر السويد” آخر الحكايات، فكل شخص وكل مكان يحمل بداخله قصته الغامضة، فقط في انتظار أن يحين وقت روايتها….