أخبار عامة

هوليوود و السياسة الأمريكية تجاة افريقيا

بقلم / محمود كرمي

السياسة الأمريكية و هوليوود مرتبطان ، تؤازر إحداهما الاخرى ، و كأنهما تنتميان إلى نفس المصدر . فواشنطن لها القدرة على توجيه الرأي العام – داخليا و عالميا – عن طريق الأفلام ، فتغير وجهة نظر المشاهد بإستخدام اللقطات و القصص التي تم إنتقائها بعناية . أو بصيغة أخرى يمكن القول أن الجمهور يتم استهلاكه في مشاهد غير حقيقية ، فينساق وراء هستريا الوطنية المتطرفة أو حمى الحرب ضد الإرهاب ، و قضايا الشرق الأسط ، و حتى في قضايا تتعلق بسكان أمريكا الأصليين ، و الأمريكيين من أصول أفريقية ، و الحركات العمالية و غيرها من القضايا داخل الولايات المتحدة و خارجها . فالأدوات الدعائية تكون أنشطتها موجهة للتأثير في مفاهيم الأفراد العاديين و النخب غير الرسمية .
إن تاريخ هوليوود الطويل يكشف عن علاقة صناعة السينما بالأزمات السياسية ، و التي من شأنها الكشف عن حقائق أمام الجمهور . يقول رئيس جمعية السينما الأمريكية السابق جاك فالنتي (ت-2007) : ” أحاول منذ أحداث سبتمبر 2011 تجنيد الصناعة السينمائية للمساهمة بخيالها الواسع و مهارتها الإقناعية في دعم الحرب على الإرهاب ، ليس في أمريكا و حسب ، و إنما في الخارج أيضا … علينا أن نحضر الجمهور الأمريكي لذلك” . و في هذا الإطار الأخير “الحرب على الإرهاب” من الطبيعي أن نجد بعض الأفلام ذات الصفة السياسية و قد تعرضت لفترات و حوادث واقعة . كما في “آخر ملوك اسكتلندا” The Last King of Scotland . إنتاج 2006 .

بطولة : فورست ويتاكر ، و جيمس ماكافوي ، و كيري واشنطن ، و الإخراج لـ كيفن ماكدونالد
أحداث الفيلم عن قصة للكاتب الإنجليزي جايلز فودينGiles Foden حملت نفس الإسم و صدرت عام 1998 ، و هي تلقي الضوء على فترة حكم عيدي أمين Idi Amin رئيس أوغندا 1971-1979.
و تدور الأحداث باختصار حول نيكولاس جاريجان Nicholas Garrigan طبيب اسكتلندي سافر إلى أوغندا من أجل العمل بمشفى ريفي ، و ربما لأجل المغامرة ، و يعاصر الحوادث هناك منذ إنقلاب عيدي أمين 1971 على حليفه السابق رئيس الوزراء ميلتون أوبوتي Milton Obote ، يتلاقى جاريجان مع عيدي أمين خلال الفترة الأولى للإنقلاب ، و التي قضاها أمين في جولات بين أنحاء البلاد يلقي الخطب ، واعدا الجماهير بتحسين المساكن و توفير فرص عمل أفضل و مستقبل أكثر إشراقا لأوغندا . و تتوالى الحوادث ليصبح جاريجان الطبيب الشخصي لأمين ثم المستشار الشخصي إلى جانب جونا واساو Jonah Wasswa وزير الصحة ، و أحد مستشاري أمين . و على الرغم من افتتان جاريجان و إعجابه بمركزه الجديد كمستشار للرئيس إلا أنه سرعان ما و وقف على مدى وحشية دكتاتور أوغندا ، و مدى تورطه هو نفسه في بعض الأعمال المشينة ، فيحاول الفرار بل و التخلص من الرئيس الأوغندي .

و دون التعرض لتفصيلات الحوادث ، نود الإشارة إلى الأفكار العامة العامة حول الأحداث .
إختيار إسم الفيلم “ملك اسكتلندا” مرجعه إلى إعجاب عيدي أمين نفسه باسكتلندا كأحد الممالك التي رفضت الإندماج تحت مظلة الإنجليز ، و ظلت في المقاومة لفترات طويلة منذ العصور الوسطى (نهاية القرن الثالث عشر و لأربعة قرون تالية) ؛ محافظة على الثقافة المحلية و الروح القومية الاسكتلندية . و هذه الأفكار العدائية من عيدي أمين العدائية تجاه البريطانيين كانت حاضرة في معظم المناسبات ، و لا أدل على ذلك من أزمة عام 1975 ، و التي فجرها بريطاني يعيش في أوغندا هو دينيس هيلز ، و لم تنته سوى بتدخل ملكة بريطانيا و زيارة رئيس حكومة لندن لأوغندا .

و لعل هذه العدائية من أمين ضد الغرب تمثل النظرة العدائية لدى معظم الأفريقين تجاه القوى الإستعمارية التقليدية في أفريقيا ، خاصة بريطانيا و فرنسا . لا سيما و أن بعض الأقاليم كانت لا تزال – حتى وقت أحداث الفيلم في السبعينيات – تحت الإستعمار ، إضافة إلى تفاقم مشاكل التمييز العنصري في جنوب أفريقيا . كما أن الأدبيات أو الكتابات التي كانت سائدة في الغرب و المتعلقة بأفريقيا ، أظهرت القارة على أنها جزء من العالم يغلب عليه سمت الصحارى و الغابات ، يعيش سكانه في حالة من التخلف و الهمجية .
إستعراض الملامح الرئيسية لفترة عيدي أمين في السلطة ، إذ تحولت البلاد إلى دولة بوليسية بنشر شبكة واسعة من العملاء السريين ، و إنتشرت عمليات الخطف و التعذيب ، و عمليات الإعدام العلنية التي تظهر فكرة عدم التسامح مع أي خيانة . و طال القتل جميع الفئات ، الموظفين و الطلاب و المزارعين و حتى أفرادا من الجيش و شخصيات دينية مثل رئيس أساقفة أوغندا الإنجليكاني .
المهارة الإقناعية لصانع الفيلم من خلال الإستعانة بشخصيتين كانتا مقربتين من الرئيس الأوغندي أحدهما من الوطنيين ، و الآخر بريطاني . فالطبيب الاسكتلندي يمثل في الحقيقية بوب أستليس Bob Astles (ت-2012) ، و هو طيار بريطاني سابق ومزارع أناناس ، و كان يدير التلفزيون الأوغندي عندما استولى أمين على السلطة 1971 . و أصبح لاحقا المستشار الجدير بالثقة لدى أمين ، و ظل على اتصال مع أمين المنفي حتى وفاته في المملكة العربية السعودية في عام 2003. و الآخر وزير الصحة ، و يمثل في الحقيقية “هنري كييمبا” Henry Kyemba وزير الصحة في حكومة أمين و أحد مستشاريه ، و هو صاحب كتاب “الدولة الدموية – القصة الخفية لعيدي أمين” . فالإستعانة بالشخصيات الحقيقية المعاصرة يجعل منها شاهدا على الأحداث .

و يعرض “آخر ملوك اسكتلندا” الصفة الجامعة لأنظمة الدول الأفريقية جنوب الصحراء ، و التي حصلت على إستقلالها منذ الستينيات ، حيث تتبلور الفكرة حول أنظمة و حكومات ديمقراطية في الظاهر تطبق سيادة الإرادة (الجماعية أو الفردية) ، بينما ترتكب هذه الأنظمة الجرائم ضد الوطنيين ، و أصبحت ممارسة الرعب أداة تتسلح بها هذه الأنظمة لضمان سير الأمور الداخلية . و في المقابل لم تحاول تلك الأنظمة الحصول على تأييد شعبي بالأساليب الديمقراطية ، مثل مشاركة الجماهير ، و خلق المؤسسات و قنوات الإتصال القادرة على تنظيم العمل ، و التعبير عن القوى المختلفة في المجتمع .

تحول الفيلم عن تصوير الصورة النمطية للإرهاب لدى هوليوود . من قاتل معاد للثقافة و المدنية ينقاد لسلطة أعلى تعِد و تُغري باسم المقدس بهدف تصفية المعارضين ، إلى صورة الإرهاب كأحد تجليات فساد النظام السياسي في أفريقيا . و هو ما يدعم أهمية التدخل من جانب الولايات المتحدة لدعم بعض النظم التي تأخذ بمفاهيم التحول الديمقراطي ، و إزاحة النظم الأخرى التي تقع أنشطتها في إطار التصور الأمريكي للإرهاب.

باحث في الشؤون الأفريقية

Araby Day

About Author

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

إيران تتجاهل العقوبات الأمريكية
أخبار عامة

إيران تتجاهل العقوبات الأمريكية وتهدد بالرد بالمثل على قرارات ترامب

إيران قامت بالرد على ما تم إصداره من عقوبات أمريكية بحقها بأنها غير ذات أهمية وتتجاهل ما تم فرضه من
أردوغان
أخبار عامة

أردوغان يعترض على تعبير الإرهاب الإسلامي في تصريحات ميركل

أردوغان يعترض على تعبير الإرهاب الإسلامي في تصريحات ميركل في زيارتها لتركيا بعد المحاولة الإنقلابية التي تعرضت لها تركيا في