بقلم /أحمد الفخراني
“سي نجيب الريحانى”الضاحك الباكي الذى استطاع ان يتربع على عرش كوميديا الموقف في المسرح والسينما المصرية حتى هذه اللحظة..فهو فنان متعدد المواهب احبه الناس وعشقوا موهبته واستطاع ببساطته ونبره صوته المنكسرة وملامحه الحزينة ان يشكل مدرسة في التمثيل ،فهل اختلط الحزن العراقي ب خفه الدم المصرية ليشكلا واحدا من عباقرة الكوميديا؟
ولدنجيب الريحاني في 21يناير 1889لاب عراقي اسمه “الياس ريحانه” واستقر في القاهرة .نشا في حي الشعرية بين الطبقة الشعبية البسيطة جعلته يشعر بالبسطاء والمهمشين ويعبر عن مشاكلهم في كل اعماله الفنية ومزج هذا بمهارته في السخرية من متناقضات المجتمع على طريقه ” كوميديا الموقف”وهى التي قلما يبرع فيها إي ممثل وهو نفس نهج الممثل العالمي الراحل” شارلي شابلن”.

تلقى تعليمه في مدرسه الفرير الفرنسية بالقاهرة وفيها تجلت موهبته التمثيلية المبكرة فانضم الى فريق التمثيل المدرسي واشتهر بين معلميه بقدرته على القاء الشعر حيث كان من اشد المعجبين بالمتنبي وابوالعلاء المعرى كما احب الأعمال الأدبية والمسرحية الفرنسية .
عندما نال شهاده البكالوريا كان والده قد تدهورت حالته فأكتفى بهذه الشهادة وبحث عن
عمل يساعد به أسرته وبالفعل عمل موظفا بسيطا في شركه لإنتاج السكر في صعيد مصر وكانت لتجربته هذه أثر على العديد من مسرحياته وافلامه السينمائية لاحقا. وفى نفس الوقت عمل بفرقة احمد الشامي التي كانت تتجول في الارياف ثم تركها وعمل بفرقة جورج ابيض وبعدها التحق بفرقة عكاشه وظهرت موهبة نجيب فيها كممثل كوميدي بصورة واضحة.

عاش لفتره متنقلا بين القاهرة والصعيد وفى يوم قادته قدماه الى شارع عماد الدين الذى كان يعج آنذاك بالملاهي الليلية وتقابل مع صديق له كان يعشق التمثيل اسمه”محمدسعيد”وعرض عليه ان يكونا سويا فرقه مسرحيه لتقديم الاسكتشات الخفيفة لجماهير الملاهي الليليلة.
وبالفعل بدا الصديقان ببعض الاسكتشات الضاحكة لمرتادي الملاهي الا ان هذه
الاسكتشات لم ترض طموح نجيب الريحاني فعرض على محمد سعيد ان تكون هناك فرقة مسرحية على غرار فرقة جورج أبيض وفعلا تم لهما ذلك وبدا يبحتان عن نص مسرحي جيد الامر الذى تصادف مع أنتشار أخبار ريا وسكينه التي ملات الصحف بعد القبض عليهما فاقترحا ان يكتبا بنفسيهما مسرحيه عن هاتين السفاحتين وعرضاه على المخرج الكبير
عزيز عيد ولعب نجيب الريحاني دور” حسب الله “ولاقت نجاحا كبيرا..
بعد ذلك انفصل عن صديقه محمد سعيد وبدا العمل وحده على مسرح كازينو “ابيه دي روز” الذى جسد فيه شخصيه “كشكش بيه “عمده الريف الشخصية المحفورة في قلوب وعقول محبيه والتي تحولت فيما بعد الى فيلم سينمائي “صاحب السعادة كشكش بيه) والتي عرضت بسينما كوزموغراف بالقاهرة كوميديا راقيه لاقت نجاحا كبيرا بفضل اداء نجيب التلقائي

لقد جمع هذا الرائد في شخصيته العديد من الصفات ذات النسق العالي في الاداء على الشاشة لا يقدر على ادائها بكل هذه المقدرة والكفاءة فنان اخر.
1917 كون مع صديق عمره بديع خيرى فرقته المسرحية (فرقه الريحاني) بشارع عماد الدين وكانا مطلعان بشكل جيد على المسرح الفرنسي وخاصه اعمال موليير واقتبس من مسرحياته مسرحيه “الشيخ متلوف “وايضا الروايات المصرية حيث قدم رواية “حمار وحلاوه”لامين صدقي كما قدم الروايات الاستعراضية بالتعاون مع بديع خيرى وفنان
الشعب سيد درويش وكانت اول رواية “على كيفك “واستعان بأشهر المطربات وقتها وهى المطربة فتحيه احمد كما قدم خلال ثوره 1919 اوبريت” العشرة الطيبة” من تلحين سيد درويش وتأليف محمد تيمور فأحدثت دويا كبيرا.

يقول في مذكراته “حين رأيت من الجمهور المثقف ومن عامه الشعب هذا الأقبال المنقطع النظير ,رأيت ان استغله استغلالا صالحا وان اوجهه التوجيه النافع ,فرحت انقب عن العيوب الشعبية وبحث العلل الاجتماعية التي تنتاب البلاد تم اضمن الحان الروايات ما يجب من علاج ناجح , لتكون اداه لأيقاظ شعور الجمهور وتعويده حب الوطن”
وتعتبر فرقه الريحاني التي كونها مع بديع خيرى من اهم دعائم المسرح الكوميدى.فقد قدم اكثر من 33 مسرحيه ومن اشهر اعماله في مجال المسرح 30يوم في السجن,الستات مايعرفوش يكدبوا,حكم قراقوش,الدنيا لما تضحك,لعبه الست ,الدنيا على كف عفريت وغيرها من المسرحيات التي جعلته” زعيم المسرح الفكاهى”ويرجع اليه الفضل في تطوير المسرح الفن الكوميدي في مصر وربطه بالواقع والحياه اليومية في
البلاد ،على صعيد السينمائي انتج عشرات الافلام وهى عباره عن مسرحيات حولها
الى السينما ويعتبر اول هذه الافلام “صاحب السعادة كشكش بيه ” وقداشتهر الريحاني فنيا باسم هذه الشخصية وغيرها من الافلام على سبيل المثال لا الحصر سلامه في خير, وابوحلموس, لعبه الست, ياقوت افندي ,واخر اعماله غزل البنات الذى ادرج في قائمه افضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية والذى جسد في احداثه دور معلم اللغة العربية ” الاستاذ حمام”.
امير الضحك وفيلسوف المضحكين تتسم فلسفه الضحك لديه بالجدية والاخلاص وعشق الوطن لذللك ظل حتى الان النموذج الامثل لما يجب ان يكون عليه الفنان صاحب الرسالة خاصه وهو يمتلك العمق والصراحة اللامحدودة حتى لقب “بموليير الشرق”.
رحل نجيب الريحاني في 8 يونيو عام 1949بعد صراع مع مرض التيفوئيد ومن المفارقات الطريفة في حياه الريحاني انه رثى نفسه في احدى الصحف قبل وفاته فكتب قائلا: “مات الرجل الذى اشتكى منه طوب الارض وطوب السماء ,اذا كان للسماء طوب ,مات نجيب الذى لا يعجبه العجب والا الصيام في رجب ,مات الرجل الذى لا يعرف الا الصراحة في زمن النفاق,ولم يعرف الا البحبوحة في زمن البخل والشح ,مات الريحاني في ستين سلامه”