أخبار عامة

عثمان بن أرطغرل… مؤسس الدولة العثمانية…

مع بدايات القرن السابع الهجري، أستطاع المغول بقيادة “جنكيز خان” دخول بغداد حاضرة العالم وعاصمة الخلافة العباسية، ونتيجة لهذا الغزو فقد أظطر سليمان جد “عثمان” للهجرة، مع قبيلته التركمانية من موطنهم كردستان الى بلاد الأناضول، وبعد وفاته خلفه إبنه “أرطغرل” والذي تحرك هربا من الهجمات المغولية هو ومائة أسرة وأربعمائة فارس نحو الشمال الغربي من الأناضول، وفي طريقه وجد قتالا حاميا بين مسلمين وبيزنطيين، وكانت كفة البيزنطيين هي الراجحة، فما كان منه الا انه هب لنصرة إخوانه من المسلمين، وكان تدخله سببا في ترجيح كفة المسلمين ودحر أعدائهم، وقدر قائد الجيش الأسلامي هذا الموقف الشجاع، فأقطع أرطغرل وعشيرته أرضا في الحدود الغربية للأناضول، وبعد وفاة أرطغرل خلفه إبنه “عثمان”…
ولد عثمان بن أرطغرل في عام (656 ه – 1258 م) ومن المفارقات أن سنة ولادته كانت هي نفس السنة التي سقطت فيها الخلافة العباسية وعاصمتها بغداد، فكانت ولادته في مرحلة صعبة وحرجة من حياة الأمة الأسلامية، وفي نفس الوقت كان ميلاده إيذانا بميلاد دولة من أعظم وأقوى الدول والخلافات الأسلامية في التاريخ الإسلامي، والتي حكمت الأناضول والبلقان وشمال أفريقيا والمشرق العربي، والتي خلفت حضارة من أعظم وأعرق الحضارات، ليس على مستوى الحضارات الإسلامية وحسب وإنما على مستوى حضارات العالم بأسره، وظلت الدولة العثمانية تحكم قرابة الستمائة عام، إلا أنها سقطت مع قيام الدولة التركية العلمانية عام 1922م…
ظل “عثمان” يعمل تحت راية الدولة السلجوقية حتى قضى المغول على دولتهم، فأعلن استقلاله عنها وأسس دولة تركية سميت بالعثمانية نسبة الى اليه، وظل عثمان سلطانا لهذا الدولة حتى وفاته في عام 1326 م، ودفن في مدينة بورصة…
كان “عثمان” بعيدا عن البزخ والترف في حياته، وكان أقرب الى حياة التقشف لتأثره بالمذاهب الصوفية، وكان محافظا على عادات وتقاليد اجداده ومتمسكا بها فكان أقرب الى شيخ قبيلة منه الى سلطان، وبالمناسبة فهو لم يلقب بسلطان الا بعد وفاته، فقد خلعه السلاطين اللذين جاءوا من بعده، بإعتباره مؤسس هذه السلطنة، واجه عثمان صعوبات كثيرة لإرساء دولته ولتوطيد حكمه، وخصوصا على الجبهة البيزنطية، كذلك بدأ بأرسال الرسل الى أمراء الروم، يخيرهم بين ثلاثة أمور، إما الأسلام أو الجزية أو الحرب، فمنهم من أسلم ومنهم من قبل بدفع الجزية ومنهم من قرروا المواجهة والحرب، وقاموا بتشكيل حلفا لمواجهة عثمان، ولكن هذا التحالف جاء بعكس ما أرادوا به، وتفككت جيوشهم ودحرهم عثمان في كثير من المعارك التي لا يتسع المجال هنا لسردها، ولما رأت الأمارات الإسلامية المتاخمة أنتصارات عثمان أنضموا اليه داعمين له وللفكرة الإسلامية، وكذلك بعض الإمارات الرومية التى آثرت الإنضمام الى الجانب الأقوى، مكونا بذلك حلفا مجابها لحلف الروم، وفتحت بذلك الإمارات وأتسعت رقعة الدولة العثمانية وتأكد نفوذها…
في سنوات “عثمان” الأخيرة بدأ تظهر عليه بعض أعراض داء الصرع، كما كان يعاني أيضا من مرض النقرس، المرض الذي كان شائعا في سلاطين الدولة العثمانية والذي أصيب به أكثر من واحد منهم، وكان هذا المرض هو سبب وفاته، وقبل وفاته أوصى للخلافة من بعده لإبنه “أورخان” إبن زوجته “مال خاتون” لما وجده فيه من رجاحة عقل وقدرة على الزعامة والقيادة، وأوصاه بممارسة الجهاد ضد الروم و إستكمال ما بدأه أبيه من فتوحات…
وعندما أرقده المرض ودنا منه الأجل، طلب ولده “أورخان” وأوصاه…” يا بني: إيَاك أن تشتغل بِشيء لم يأمر به الله رب العالمين، وإذا واجهتك في الحكم معضلة فاتخذ من مشورة علماء الدين موئلًا. يا بني: أحط من أطاعك بِالإعزاز. وأنعم على الجنود، ولا يغرنك الشيطان بِجُندك وبِمالك، وإياك أن تبتعد عن أهل الشريعة. يا بني: إنك تعلم أن غايتنا هي إرضاءُ الله رب العالمين، وأن بِالجهاد يعِم نور ديننا كُل الآفاق، فتحدُث مرضاة الله جل جلاله. يا بني: لسنا من هؤلاء الذين يقيمون الحروب لِشهوة حُكمٍ أو سيطرة أفراد، فنحن بالإسلام نحيا ولِلإسلام نموت، وهذا يا ولدي ما أنت لهُ أهل، إعلم يا بُني، أن نشر الإسلام، وهداية النَّاس إليه، وحماية أعراض المُسلمين وأموالهم، أمانة في عُنقك سيسألك الله عز وجل عنها، يا بُني: إنني أنتقل إلى جوار ربي، وأنا فخور بك بأنَّك ستكون عادلًا في الرعية، مُجاهدًا في سبيل الله، لِنشر دين الإسلام. يا بُني: أوصيك بِعُلماء الأُمة، أدم رعايتهم، وأكثر من تبجيلهم، وانزل على مشورتهم، فإنهم لا يأمُرون إلَّا بخير. يا بُني: إيَّاك أن تفعل أمرًا لا يُرضي الله عز وجل، وإذا صعُب عليك أمر فاسأل عُلماء الشريعة، فإنهم سيدلُّونك على الخير، واعلم يا بُني أن طريقنا الوحيد في هذه الدُنيا هو طريقُ الله، وأنَّ مقصدنا الوحيد هو نشر دين الله، وأننا لسنا طُلَّاب جاه ولا دُنيا، وصيتي لِأبنائي وأصدقائي، أديموا علو الدين الإسلامي الجليل بِإدامة الجهاد في سبيل الله، أمسكوا راية الإسلام الشريفة في الأعلى بِأكمل جهاد. اخدموا الإسلام دائمًا؛ لِأنَّ الله عز وجل قد وظَّف عبدًا ضعيفًا مثلي لِفتح البُلدان، اذهبوا بِكلمة التوحيد إلى أقصى البُلدان بِجهادكم في سبيل الله، ومن انحرف من سُلالتي عن الحق والعدل حُرم من شفاعة الرسول الأعظم يوم الحشر، يا بُني: ليس في الدُنيا أحد لا يُخضع رقبتهُ للموت، وقد اقترب أجلي بِأمر الله جل جلاله أُسلمُك هذه الدولة وأستودعك المولى”…
_ رحم الله ذلك القائد الذي ضرب بشجاعته المثل، الذي أحيا في أمة الإسلام الأمل، وبفضل الله ومنته جرح المسلمين بيديه أندمل، ففي يوم سقوط بغداد ولد ذاك البطل، فكان نبراسا في قلب الظلام أشتعل، فأضاء طريق الأمة ولأمر ربه قد أمتثل، فجاهد وقاتل وفتح الله على يديه الممالك و الدول، فهاهو يثأر لخلافة بني العباس ويؤسس لدولة من أعظم الدول، فما أعظمه من رجل، وما أشبهه بالفاتحين الأول، وفي ليلة من ليالي رمضان وافاه الأجل، فأسلم روحه الى بارئها والى جوار ربه انتقل، فسلام عليه وعلى من اتبعه من أولاده وبوصيته أمتثل…

Zaid sayed

About Author

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

إيران تتجاهل العقوبات الأمريكية
أخبار عامة

إيران تتجاهل العقوبات الأمريكية وتهدد بالرد بالمثل على قرارات ترامب

إيران قامت بالرد على ما تم إصداره من عقوبات أمريكية بحقها بأنها غير ذات أهمية وتتجاهل ما تم فرضه من
أردوغان
أخبار عامة

أردوغان يعترض على تعبير الإرهاب الإسلامي في تصريحات ميركل

أردوغان يعترض على تعبير الإرهاب الإسلامي في تصريحات ميركل في زيارتها لتركيا بعد المحاولة الإنقلابية التي تعرضت لها تركيا في