“أول ما شعرت به –وما زلت أشعر به- هو الذي يجده الغريب حين يؤوب بعد غيبة طويلة جداً إلى مواطن عقله وقلبه وروحه”.
وصف طه حسين زيارته للمملكة
عملاق الأدب العربي وصل إلى أرفع المناصب الأدبية والعلمية والاجتماعية وهو ضرير، ليمثل مدرسة في التحدي وتسلق الصعاب وقهرها والوصول إلى أعالي قمم المجد والعلم.
وتمر هذه الأيام الذكرى الرابعة والأربعين لرحيل عميد الأدب العربي، الدكتور طه حسين، الذي رحل عن عالمنا في 28 أكتوبر من العام 1973.
وكانت لـ “حسين” زيارة تاريخية للسعودية واستُقبل وقتها بحفاوة منقطعة النظير، وكان له كلمات خالدة عن المملكة، وذلك في منتصف الخمسينات من القرن الماضي.
طه حسين هو أديب ومؤرخ وتربوي وناقد ومترجم وروائي ومفكر سياسي ومحقق للتراث، ووزير سابق للمعارف بمصر، ورائد من رواد التنوير العربي، ومن مجددي الأدب والفكر والثقافة العربية.
وُلِد عميد الأدب العربي في 14 نوفمبر 1889 في عزبة الكيلو إحدى قرى محافظة المنيا في صعيد مصر الأوسط، فكان سابع ثلاثة عشر من أبناء أبيه وخامس أحد عشر من أشقائه، أصيب في سنته الثالثة بالرمد فأهمل أياماً، ثم دعي الحلاق فعالجه علاجاً ذهب بعينيه.
زيارة تاريخية
زار عميد الأدب العربي المملكة العربية السعودية في يناير من عام 1955، بمناسبة افتتاح الدورة التاسعة للجنة الثقافية لجامعة الدول العربية، التي تطورت فأصبحت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وكان طه حسين رئيساً لهذه اللجنة التي انعقدت في مدينة جدة، بدعوة من الأمير فهد بن عبدالعزيز، وزير المعارف آنذاك واستمرت 19 يوماً.
وفي خطابه أمام الجمعية قال طه حسين:
“أشعر الآن أنني أتحدث في بلاد العرب التي عاش فيها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وفي البلاد التي مر عليها وقت كان أهلها يقولون ما أشد قرب السماء من الأرض، ثم مر عليها وقت بعد وفاة النبي كان بعضهم يبكي، لا لأن شخص محمد قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، بل لأن خبر السماء قد انقطع عن هذه البلاد.”
طه حسين في العمرة
قام طه حسين أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية بأداء العمرة، وقد نبه الركب وهو يغادر مدينة جدة قاصد البيت الحرام في مكة المكرمة بالتوقف عند الحديبية، فلما توقف عندها ترجّل عميد الأدب وقبض من تراب الحديبية قبضة فشمّها ثم تمتم ودموعه تنساب على التراب قائلاً: “والله إني لأشم رائحة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – في هذا التراب الطاهر”.
وقال عميد الأدب العربي وقت أن وطأت قدمه البقاع الطاهرة باكيًا: “
لقد سبق أن عشت بفكري وقلبي في هذه الأماكن المقدسة زهاء عشرين عاماً منذ بدأت أكتب على هامش السيرة وحتى الآن، ولما زرت مكة والمدينة، أحسست أنني أعيش بفكري وقلبي، وجسدي جميعاً، عشت بعقلي الباطن، وعقلي الواعي، استعدت كل ذكرياتي القديمة، ومنها ما هو من صميم التاريخ، ومنها ما هو من صميم العقيدة، وكانت الذكريات تختلط بواقعي، فتبدو حقائق حيناً، ورموزاً حيناً، وكان الشعور بها يغمرني، ويملأ جوانب نفسي”.
ترحيب رسمي وإعلامي وأدبي
رحب الجميع بمقدم طه حسين للسعودية، ولاقى ترحيب واسع من كل الصحف والمجلات التي كانت تصدر آنذاك ومنها: أخبار الظهران، ومجلة الرياض، والمدينة المنورة، وأم القرى، واليمامة، والحج، والمنهل.
وشارك في الكتابات المشيدة بمقدم عميد الأدب العربي أعلام الثقافة السعودية وأدباءها في تلك المرحلة، منهم: محمد أمين يحيى، وعبدالعزيز ساب، وعبدالله عريف، وعبدالقدوس الأنصاري، فضلاً عن المقالات التي تناولت طه حسين وأثره الثقافي مثل المقالات التي كتبها حمد الجاسر، وعابد خازندار، وعبدالفتاح أبو مدين، وأحمد الضبيب، إضافة إلى قصيدة زجلية لحسن نصيف، ومقابلة تلفزيونية مع ماجد الشبل.
وبعد الزيارة أطلقت المملكة اسم طه حسين على شارعين أحدهما في العاصمة الرياض والثاني في جدة.