في ظل تصاعد التوترات والأزمات في المنطقة، جاء “إعلان بغداد” الصادر عن القمة العربية الرابعة والثلاثين ليعبّر عن موقف عربي موحد يعكس التزام الدول العربية بقضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، ووضع حد للمعاناة الإنسانية في قطاع غزة، وتعزيز الأمن والاستقرار في الدول التي تشهد أزمات داخلية.
دعم كامل لفلسطين وإدانة للعدوان على غزة
ركز “إعلان بغداد” في طليعة بنوده على المطالبة بالوقف الفوري للحرب على قطاع غزة، والتنديد بالأعمال العدائية التي ترتكب بحق المدنيين، مناشدًا المجتمع الدولي للقيام بدوره الأخلاقي والقانوني لوقف شلال الدم وضمان دخول المساعدات الإنسانية العاجلة. كما أكد القادة العرب دعمهم الكامل للخطة العربية الإسلامية المشتركة، الصادرة عن القمة الطارئة في القاهرة، واجتماع جدة لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، والتي تهدف لإعادة إعمار غزة ضمن إطار سياسي شامل يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني.
وأكد البيان على مركزية القضية الفلسطينية، بوصفها قضية الأمة الأولى، مجددًا التأكيد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ورفض كافة محاولات التهجير أو تغيير الواقع الديموغرافي والجغرافي في الأراضي المحتلة، بما يُعد انتهاكًا للقانون الدولي.
مبادرات إعمار ودعم إنساني
لاقى موضوع إعادة الإعمار اهتمامًا كبيرًا في القمة، حيث دعا القادة العرب إلى إنشاء صندوق عربي – إسلامي لإعادة إعمار غزة ولبنان، وعبّروا عن ترحيبهم بمبادرات بعض الدول العربية مثل العراق والسعودية والأردن في هذا الإطار. كما أيدوا مقترح إنشاء صندوق خاص برعاية أيتام غزة، وتوفير الدعم الصحي والنفسي للمصابين، خاصة الأطفال منهم.
رفض التهجير والدعوة لمؤتمر دولي للسلام
جدد القادة العرب رفضهم التام لأي شكل من أشكال التهجير القسري للشعب الفلسطيني، مؤكدين على التمسك بخيار السلام القائم على أساس حل الدولتين، وداعين إلى عقد مؤتمر دولي للسلام يضمن إنهاء الاحتلال وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.
وطالبوا بنشر قوات دولية لحفظ السلام تحت مظلة الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية نهائية، مشددين على ضرورة التوافق الفلسطيني الداخلي، ودعم الحكومة الفلسطينية الشرعية.
مواقف داعمة لدول الأزمات العربية
لم تغب القضايا الداخلية لدول عربية أخرى عن طاولة القمة؛ فقد أكد “إعلان بغداد” على دعم الدول التي تمر بأزمات، مثل سوريا، لبنان، اليمن، السودان، ليبيا، والصومال.
- في سوريا، شدد البيان على رفض جميع أشكال التدخل الخارجي، وأهمية رفع العقوبات لتحقيق التعافي وعودة اللاجئين، ورحّب بإعلان الولايات المتحدة رفع العقوبات في مايو 2025.
- أما في لبنان، فدعا القادة إلى احترام وحدة الأراضي اللبنانية، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701، ورفض الانتهاكات الإسرائيلية.
- وفي اليمن، دعوا إلى حل سياسي ينهي الحرب، مؤكدين على وحدة اليمن واستقراره.
- كما شددوا على أهمية الوصول إلى تسوية سلمية في السودان، ورحبوا بمبادرة “إيجاد” الداعية لتوحيد منابر التفاوض.
- وبالنسبة لـ ليبيا، أكد القادة دعمهم لخارطة طريق تفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية، داعين إلى إخراج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة.
- وفي الصومال، شدد البيان على دعم وحدة الدولة، وإدانة كل أشكال الإرهاب والاغتيالات السياسية، مثل محاولة اغتيال الرئيس حسن شيخ محمود.
دعم السيادة العربية ورفض الاحتلال
أكد القادة العرب على ضرورة تنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن بشأن الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان السوري وجنوب لبنان، مطالبين بإنهاء الاحتلال دون تأخير. كما رحبوا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤيد لانضمام فلسطين كعضو كامل في المنظمة.
حماية المقدسات والاعتراف بفلسطين
شدد البيان على قدسية مدينة القدس، ورفض المحاولات الإسرائيلية لتهويدها، مجددين دعمهم للوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ومؤكدين أن المسجد الأقصى بكامل مساحته هو مكان عبادة خالص للمسلمين.
كما عبّر القادة عن تقديرهم للدول الأوروبية مثل إسبانيا والنرويج وأيرلندا، التي اعترفت بدولة فلسطين، ودعوا بقية الدول إلى اتخاذ خطوات مماثلة.
خاتمة
يمثل “إعلان بغداد” محطة مفصلية في مسيرة التضامن العربي، إذ أعاد التأكيد على المبادئ والثوابت الوطنية تجاه القضية الفلسطينية، وفتح آفاقًا جديدة لدعم الدول العربية في أزماتها الداخلية، من خلال التكاتف وتوحيد الجهود السياسية والإنسانية. ويأمل الشارع العربي أن تترجم هذه القرارات إلى خطوات عملية تساهم في إعادة الأمن والاستقرار للمنطقة، وتحقيق تطلعات شعوبها في الحرية والكرامة والعيش الكريم.
