لقراءة الجزء الأول من القصة اضغط هنــا
ابتلع سعيد لعابه في صعوبة وهو ينقل بصره بين الطعام وبين وجه سعيد الذي جلس سارحا ببصره في احد اركان الزنزانة ، ولم يدر كم من الوقت ظل على هذه الطريقة حتى تنحنح بصوته فالتفت اليه أسعد قائلا:
ماذا هناك ، الم يعجبك هذا الطعام … هل ترغب في تبديله
هز سعيد رأسه نافيا وهو يجلس على طرف السرير هذه المرة ويقول في صوت متحشرج:
اعد هذا الطعام ، لا رغبة لي الاكل
ابتسم أسعد ودفع بالطعام في قوة تحت السرير الذى يجلس عليه سعيد ، ونهض سعيد في حركة تلقائية ، ثم عاد ليجلس على ركبتيه وهو يلقى نظرة تحت السرير فلم يجد اثر لهذا الطعام ، وانعقد حاجبيه في شدة وهو يلتفت الى أسعد صائحا:
ماهي قصتك يا هذا ؟ هل انت ساحر
هز أسعد رأسه نافيا في بطء وقال في لهجة اقرب الى البكاء:
بل على العكس ، اننى اخاف الله جدا واستغفره كل يوم على ما يحدث لي ، وارغب في التخلص منه بأي ثمن
دار سعيد على عقبيه وخرج من الزنزانة صائحا في الحراس:
اجلبوا لي اي كرسي ، لن اجلس في هذه الزنزانة
والتفت الى أسعد متسطردا:
وأنت ، احكي ماذا يجري هنا ، والا لن ترى الشمس مطلقا بعد اليوم ، هل تفهم
حضر الجندي بالكرسي في سرعة وغادر مسرعا باقصى طاقته بعيد عن تلك الزنزانة ، وجلس سعيد وهو يشعل سيجارة أخرى لينفث دخانه في توتر في سماء الحجرة وهو يراقب أسعد في صمت ، الذى جلس بدوره هذه المرة على السرير وهو يستند بذراعيه على ركبتيه ويضع رأسه بين قدميه وهو يحدق في ارضية الزنزانة حتى بدأ يسرد قصته قائلا:
بدأت قصتى وانا في بيتي في ريف مصر في منطقة لا اعتقد انك سمعت بها من قبل ، بدأت القصة كلها منذ احدى الليالي التى نمت بها ، واثناء نومي حلمت بفتاة زارتنى وجامعتها حتى احتلمت
صمت قليلا ثم اخذ يتحدث في مرارة قائلا :
واستيقظت على صوت البكاء والعويل في منزلنا ، بعد ان توفت خالتى بعد عناء طويل مع المرض ، ومن شدة الموقف نسيت تماما انني احتلمت ويجب علي الاغتسال ونهضت مرتديا ثيابي مغادرا مع اخي الصغير لننهي اجراءات الدفن وباقي الامور ، حتى ذهبنا بها الى مثواها الاخير رحمها الله ، واثناء نزولي الى القبر زلت قدماي
وصمت مرة أخرى وكان الصمت هذه المرة ثقيلا على الرجلان ، ولم يجرأ سعيد على التحدث حتى اوشكت السيجارة ان تحرق يداه فالقاه في سرعة دون ان يحول بصره عن أسعد الذى استجمع قواه ورفع رأسه وعيناه مليئتين بالدموع الى سعيد مكملا :
لا ادرى كيف زلت قدامي وسقطت على الارض مغشيا علي ، وعندما افقت وجدت نفسي في بيتي واخي يخبرنى انني قد فقدت الوعي واخرجونى واكملوا مراسم الدفن ، وبعد ان اطمئن علي ، تركنى في الغرفة ابكي على فراق خالتي دون ان اشعر ان هناك كرتين من دخان اسود تكونتا في هدوء وانا اجلس في وسطهم ، وعندما افقت انتبهت الى كتلتين الدخان وعند رأس كل كتلة ، جمرتين من نار وكأنهما يحدقان الي
ثم التقط انفاسه بعدها قائلا :
نهضت بالطبع مسرعا واغتسلت وجلس لقرائة القرآن على روح خالتي رحمها الله حتى غفوت في نوم عميق ، لاجد نفسي في مساحة بيضاء وسط فتاتين باهرتين الحسن ، عارتين تماما ، ودون ادراك جامعتهم كل فتاة على حدة مرتان ، حتى نهضت من النوم لاجد نفس الفتاتين يرتديان ملابس عادي كالتى يرتديها بنات العاصمة وهما يجلسان على خزانة الملابس الخاصة بي ويسترقان النظر الى ويضحكون في خبث
ثم اغمض عينيه ليتماسك اعصابه او هكذا بدا لسعيد وهو يكمل :
واستمر الامر على هذا المنوال 3 ايام كاملة ، حتى انتهى العزاء الخاص بخالتي وفي مساء اليوم الرابع ، وانا على الفراش شعرت بثقل غريب في انحاء جسدي بالكامل ، حتى اننى لم اقوى على التحرك تماما ، ووجدت احد الفتاتين تتجسد ليا فوق الخزانة وهي تخبرنى بأسمها ، وتحرصنى ان لا انطقه ابدا حتى لا تقوم بأذية اخي او اختى الصغيرة وان لديهم مطالب لا يمكن التنازل عنها بسبب انى سقطت عليهم في المقبرة ، وكان الطلب هو معاشرتهم يوميا مرتين او اكثر كعقابا مستمر حتى يتوقفوا عن طلبي ، وكان جسدي يتثاقل مع اي محاولة للحركة ، وشعرت بدغدغة غريبة في اعضائي التناسلية والفتاة تشاهدني في استمتاع حتى ….
صمت أسعد قليلا حتى حثه سعيد على اكمال حديثه قائلا:
حتى ماذا ؟
اكمل أسعد :
حتى انتهت الاخرى من اغتصابي ، وها انا ذا ، دخلت الى خدمة الجيش واخبرنى احد الزملاء ان هناك بعض القبائل هنا لديهم شيوخا يعالجون بالقرآن ، لاننى تعبت كثيرا … تعبت بحق ، واكثر ما يتعبنى انه في حالة غضبي او انزعاجي ، اراهم يتجسدون امامى ويقومون باعمال عنف دون طلب منى او أذن
ضاقت عينا سعيد وهو يسأل :
هل هذا تفسيرك لكسر باب الذخيرة ؟
ابتسم أسعد في مرارة مجددا ليجيب
انه احد الاحداث ، فقبل مغادرتى منزلي للتقدم الى العسكرية كانت امى تبكي على فراقى وعلى ما يحدث لي ، فخرج من المنزل منزعجا لأجد احد الفتاتين امامي وهي تركض تجاه احدي سيارات النقل الضخمة الخاصة بالبترول في سرعة لا مثيل لها واختفت اسفلها ، ودون سابقا انذار انقلبت على الطريق السريع في حادث مروع لتنفجر وتطيح بعدد كبير من السيارات
صمت سعيد وهو يتراجع بظهره على الكرسي
فقد كان يذكر تلك الحادثة التى لم يتعدي عليها 5 أشهر وهو يتحدث فيها مع احد زملائه بالفعل ، ولم يجد ما يقوله هذه المرة ، فنهض من الكرسي ويضع يديه في جيب بنطاله قائلا :
على كل حال ، فؤاد قد انصرف بالفعل ولن يرجع الا وفي يده الشيخ ، لا تقلق
نظر أسعد مجددا في الارض وقال في لهجة بكاء كاملة :
هل يمكننى ان اطلب سجادة صلاة وقدر به بعض من الماء فقط ، اريد ان اصلي قبل مجئ الشيخ
اندهش سعيد لتلك الهجة وغادر المبنى ليخبر الحارس بطلبات سعيد وانصرف الى حجرته يراجع كل ما سرده على مسامعه دون ان يدرى انها ستكون ليلة لن تنسى .. على الاطلاق
****
انطلق فؤاد ما حدث في الزنزانة وهو في طريق عودته الى الوحدة واخذ الشيخ يستمع له في هدوء حتى انتهى تماما فطلب من فؤاد ان يتوقف كثيرا وترجل من السيارة هوا ومساعده وتوضئ من زجاجة صغيرة ومد يده الى فؤاد ليشير له بالتوضوء فضحك قائلا:
انه ليس وقت صلاة يا شيخ
ولكن نظرة الشيخ صدمته فشرع يتوضئ حتى انتهى وعادوا الى السيارة وانطلقت على رمال الطريق الغير ممهد حتى وصل الى بوابة المركز فاطلق فؤاد يديه على بوق السيارة ليطلق صوتا مميزا لحارس الوحدة ليفتح الباب ، وتوقف حتى انتهي الجندي من فتح البوابة وقبل ان ينقل فؤاد قدمه الى دواسة النزين ، انطلق صوت انفجار مكتوم
يأتى من اتجاه مبنى السجن ، وصاح الشيخ قائلا :
لا اله الا الله ، كنت اتوقع شيئا كهذا ، لا حول ولا قوة الا بالله
نقل فؤاد عينيه بين الشيخ وبين المبنى المهدوم وهو لا يقدر على فهم اي شئ
على الاطلاق
*********
جلس الاربعة في غرفة مكتب سعيد بعد ساعة من الزمن ، حيث امر سعيد بنبش الحطام لاستخراج جثة سعيد ، وشرع سعيد يحكي على مسامع الشيخ ما جرى بينه وبين أسعد بعد ان تركهم فؤاد وهو يتمتم ببعض الايات القرانية بين الحين والاخر حتى انتهى سعيد
وساد الصمت في الحجرة لدقيقتين حتى سأل فؤاد في ضجر :
ماذا حدث يا شيخ صالح ، مالذى يجرى بالضبط
التقت عينا الشيخ صالح ومساعده للحظات ثم قال :
ان أسعد شاب صالح ، ولكن ارادة الله ان يصيبه ما اصابه يا بنى ، وطلب لي كان يعلم انه يعد انتحارا في سبيل الحفاظ على عائلته ، وما يؤكد كلامى رغبته في الوضوء والصلاة ، واعتقد ان أسعد كان يشاهد الفتاتين طوال الحديث ، ولكن ما لم افهمه سبب عرضه للطعام عليكم
ثم عاد ليصمت مجددا:
على كل حال اتمنى ان يستخرجوا جثته حتى اقوم بالصلاة عليه قبل ان اغادر
نهض سعيد بعد العبارة الاخيرة يصيح في الجنود الذين اشاروا له الانتهاء من استخراج الجثة ووضعوها على احد الابواب واتجهوا الى صالة مخصصة للصلاة في الوحدة فالتفت الى الشيخ قائلا :
لقد انتهوا بالفعل يا شيخ صالح
نهض الشيخ قائلا لمساعده:
هيا بنا يا ولدي حتى نغسله ونصلي عليه
غادر الجميع الغرفة وبقى فؤاد بمفرده ، وهو يتذكر منظر الطعام الذى اخرجه اسعد من الغرفة ، حتى اطلق زفرة طويلة وغادر المكتب متجها على غرفته الخاصة وخلع قبعته والقى بجسده على السرير
ودون ان يدرى كان عقله الباطن يحلم بالطعام وهو يتناوله في نهم شديد
والى جوار قدميه ، بدأت كتلتين من الدخان الاسود يتكون تدريجيا
تعتليهم جمرتين من نار
تنتظر فريستها الجديدة في هدوء
وصمت ….